دوائر الساعي

كنت - قبل أيام- في العيادة طبيب نفسي يختلف عن هنا بأميال، تمددت فوق الشزلونج، وحكيت ما لم تتسع له دفاتري أبدًا. قال لي نوح – طبيب الشاب – إن الحياة الدوائر، أن ما نقوم به تحدد بمصحرنا، وأن الإنسان يظن نفسه محصناً ضد النجاح ولا يمكن أن عقله بيت لا تغلق شبابيكه في منتصف البحث ضباع لا تشبع ولا تنام. قلت له إن سطور صفحات القضاء خلفها حكما المؤقت المؤبد، وأن هناك أمواتا يسيرون على بعدهم خارج أسوار المقابر، يسكنون معنا، يجلسون بجوارنا حول المناضد، ويتميزون في صورنا بابتسامات يجعلنا نتجه إلى المضي قدما في الحياة قيد الحياة. لتحظى بسرير من الجلد الأسود يتوسط قرية مكتظة بالناس. ألمح بين الحاضرين وجوها مألوفة كوجه أبي، أمي، طعام، أقارب اتصالاتهم النادرة، جيران اتصالاتهم سطحية، زملاء ابتساماتهم مزيفة، وأصدقاء مراكهم متفرقة. أشعر بصداع يكاد يكاد يفتك برأسي، وهم لا يرون يضغط فوق صدري، وبأظافر حريصة على خدش عقلي من الداخل. أحكي الناس، أصف، أشكو، أصرخ، أنادي، أستغيث، وأبكي. أقول إني أستانع، أتوهم، أتخيل، أتدلل، أمثل، أكبر، وأكذب. ينصحونني بالهدوء، بالنوم، بالصلاة، بالتغافل، بالركض، بالصمت، بالدعاء، وبالادعاء. انهض، أنحني، أفتح حقيبتي، عموما قناع يبتسم، ألبسه، التفت، يصف لهم حتى تتقطع أيديهم، يختفي صوت وسط التصفيق، وتنهيمر دموعي خلف القناع.